Home » » ثوره فى مصر ولكن فى الحقيقه ليست ثوره

ثوره فى مصر ولكن فى الحقيقه ليست ثوره

ثوره فى مصر ولكن فى الحقيقه ليست ثوره
العنوان أعلاه مستعار من حديث لكمال خليل، الذي يُعَرٌفْ من قبل الإعلام المصري بالناشط اليساري و أحياناً كثيرة بالمناضل العمالي. دعى كمال خليل قبل أسبوعين لمظاهرة في القاهرة لكي يتم فيها إضافة إلى رفض سيطرة جماعة الأخوان المسلمين على الحكم، رفع مطالب كالافراج عن جميع المعتقلين من الثوار بالمحاكم العسكرية وتكريمهم وتعويضهم ماديا ومعنويا، محاكمة قتلة الثوار ورفض الخروج الآمن لقيادات المجلس العسكري مثل طنطاوى وعنان وبدين، تشكيل محكمة ثورية لنظام مبارك، رفض قروض البنك الدولي المشروطة بإفقار الكادحين واستعادة ثروات مصر المنهوبة، حد ادنى للاجور 1500 جنيه شهريا وحد اقصى للاجور وضرائب تصاعدية على مالكي المليارات وحياة كريمة لكل مواطن.
برز كمال خليل بهذه الدعوة كأحد الشخصيات العمالية رمزاً للمقاومة بوجه سلطة الأخوان و أستمرار الحراك الثوري في مصر. وقد عرف في السابق على نطاق واسع بتأريخه النضالي الذي يتجاوز الأربعين عاماً، و بمواقفه السياسية التي قادته إلى السجن عدة مرات أثناء حكم كل الرؤساء السابقين ناصر و السادات و مبارك، وكذلك بقيادته للعديد من المظاهرات و الأحتجاجات العمالية و هتافاته العمالية الحماسية و المعبئة.
لقد تمت الأستجابة لدعوة كمال خليل الذي أطلقها ليلة الـ25 من آب (أغسطس) لمظاهرة 31 من آب و سرعان ما عبرت جهات أشتراكية عديدة عن تبنيها للدعوة كما عبر العديد من الناشطين عن أستعدادهم للمشاركة. لقد أنطلقت مظاهرة الجمعة 31 من آب من شارع طلعت حرب القريب من الميدان، و ليس من المساجد كما جرت العادة مع مظاهرات أيام الجمع، وشاركت فيها جموع غفيرة من المواطنين قدرتها بعض أجهزة الإعلام بعشرة آلاف متظاهر و تم ترديد هتافات ضد حكم الأخوان و هتافات الثورة من جديد.
إن الملفت للنظر في هذه المظاهرات إنها خرجت بناء على دعوة من شخصية يعرفها الجميع بانه المناضل العمالي، كما إن هذا البروز المتجدد للأحتجاجات الجماهيرية ضد الأخوان يمكن قرائته بصورة صحيحية فقط في سياق الأحتجاجات الجماهيرية و العمالية التي تلت وصول مرسي إلى الحكم قبل عدة أسابيع.
فخلافاً للتصور السطحي و السائد نوعاً ما و الذي يفيد بأن ما تم تسميته بالربيع العربي قد تحول إلى خريف إسلامي، هناك أدلة وافرة على إن الحراك الثوري للعمال و الكادحين في مصر ما زالت تتوافر على صفحات بيضاء عديدة من التأريخ لتكتبها. إن الأزمة التي أمسكت بخناق الرأسمالية في مصر خلال عهد مبارك، الأوضاع المزرية التي فرضها النظام الرأسمالي على معيشة الجماهير العمالية و الفلاحية و الكادحة، البطالة المليونية في أوساط الشباب المتعلم، و في مواجهة كل ذلك تموج الأحتجاجات الجماهيرية لم تظهر أي علامات تدل على التخفيف بل إن جميعها ما برحت في تصاعد. إن "إنتخاب" محمد مرسي لرئاسة مصر و نجاح الأخوان لم تستطع أن تدشن او تمهد الطريق لحملات قمع ضد الجماهير و أحتجاجاتها، كما كان متوقعاً، على العكس فقد كتبت بعض الصحف بعد أيام من دخول مرسي إلى القصر عناوين تقول "القصر الجمهوري في محاصرة الأعتصامات العمالية."
لقد تم، حسب تقرير صادر من المركز المصري للحقوق الأقتصادية و الأجتماعية، شهد النصف الأول من شهر آب و الذي صادف شهر رمضان، إقامة 262 أحتجاجاً في أنحاء متعددة من مصر و كان أكثر من تسعون منها أحتجاجات عمال و موظفين. هذا في حال أعتبر التقرير بأن عدد الأحتجاجات قد قلت بحوالي ثلاثين أحتجاجاً قياساً بنفس المدة من الشهر السابق. لقد أصبحت الجوانب و المطالب السياسية للأحتجاجات أكثر بروزاً بعد مجيء مرسي. فكان المطلب الأول لعمال غزل مدينة المحلة، المدينة التي داست بالأقدام على صور مبارك خلال إنتفاضتها قبل ثلاثة سنوات من إسقاطه، هو إقالة المدير العام للشركة القابضة التي تشرف على كل معامل الغزل الحكومية. وفي سياق بروز راديكالية سياسية داخل الحركة العمالية توجه القائد النقابي المعروف كمال أبو عيطة بالنقد الشديد ضد وزير القوى العاملة في الحكومة الجديدة و أدان مساعيه لأجل الأستحواذ على النقابات من قبل الأخوان و قال بأن العمال لن يسمحوا لأي قوة سياسية بالسيطرة على النقابات و بانهم سيقاتلون من أجل حقوقهم و تثبيت حرية التظيم النقابي في الدستور.
إن وصول الأخوان المسلمين إلى السلطة و صفقاتهم مع المؤسسة العسكرية، برعاية أمريكا والغرب و إمارات الخليج، هي من أنسب الخطط المتاحة للرأسمالية في مصر لإعادة اللحمة إلى صفوف الطبقة الحاكمة و إعادة تسيير ماكنة قمع الثورة وانهاء مقاومة الجماهير. إن وصول الأخوان إلى السلطة دلالة على ضعف البرجوازية المصرية وإرتباكها في مواجهة انتفاضة و مقاومة المسحوقين، بقدر ما هو نتيجة لأستعداد هذه القوة الرجعية و المعادية للعمال من الناحية التنظيمية و السياسية.
إن مصر و بمقياس قدم تأريخها كدولة، و بحجم أهميتها في المنطقة، و بقدر الفقر و العوز فيه، تمتلك طبقة عمالية واسعة و صاحبة تأريخ عريق. إن للحركة الأشتراكية في مصر، برغم أخطائها و إنتكاساتها، تأريخ مجيد في مقارعتها للقمع و إنعدام الحقوق. لم تمر الهزائم المفروضة على الحركة الإشتراكية العمالية في هذا البلد، دون ضريبة من قبل البرجوازية و الرأسمالية. فلم تستطع الناسيونالستية (القومية) العربية في هذا البلد أحتواء الإشتراكية و الأحتجاج العمالي إلا بإرتدائها ثوب اليسار و التسليم بإجراء إصلاحات أجتماعية و أقتصادية. كوتا العمال و الفلاحين في مجلس الشعب بما يعادل 50% و عضوية ممثلين العمال في مجالس إدارة الشركات التابعة للدولة، و قوانين عديدة في مجال الضمانات الأجتماعية ودعم الأسعار هي نماذج لتراجع الرأسمالية المصرية أمام زخم الحركة الأشتراكية والعمالية في مصر، تراجع ظل و منذ عقود مبعث سخط الطبقة البرجوازية الحاكمة والتي تحينت الفرص للانقضاض عليها والتخلص منها ومن تداعياتها.
سلطة الأخوان ليست مطالبة بإعادة الجماهير المنتفضة خالية الوفاض إلى البيت فحسب، بل إنها تعتبر موفقة من وجهة نظر البرجوازية الحاكمة في مصر و رأسمالية المنطقة و العالم، بمقدار نجاحها في التخلص النهائي من مخلفات الحقبة الناصرية وتذليل جميع العوائق القانونية و الاجتماعية و الثقافية أمام حرية السوق والأستغلال الرأسمالي. لم يؤتى بالأخوان لقمع الثورة فقط، بل وكذلك لأجل تنفيذ جميع المهمات التي كانت على كاهل مبارك و عجز نظامه عن تنفيذها. لكن من الواضح بأن الأخوان المسلمين، عدا عن ثورة ما زالت جذوتها متقدة، تواجه تحديات كبيرة في أداء دورها.
الأخوان مضطرون بالألتزام بالمعاهدات وإدامة العلاقات الطبيعية مع أسرائيل والتي تم قبولها كضرورة أقتصادية وسياسية من قبل البرجوازية المصرية، و لا مناص لهم من السعي لأجل تطوير قطاع السياحة في مصر، ويتوجب عليهم تهيئة الظروف المناسبة لجذب رؤس الأموال الأجنبية و الأستثمار الرأسمالي وكل ذلك يشكل تحدياً أمام تطبيق أحكام الشريعة و الحفاظ على مصداقيتهم و إنسجامهم الأيدولوجي. و من جهة أخرى فإنه و خلافاً لتركيا حيث جاء الإسلاميون إلى الحكم في دولة علمانية لتجعل من كل خطوة صغيرة بأتجاه دور أكبر للإسلام في الحياة العامة بمثابة نجاح سياسي للإسلاميين، الدولة في مصر كما في معظم البلدان العربية لم تكن يوماً علمانية إلا بالأسم فقط، النجاح السياسي للإسلاميين يقاس فقط بمدى موفقيتهم في فرض التقييدات على الحريات العامة و الفردية و تطبيق أوضح لنصوص الشريعة الإسلامية.
وصول الأخوان المسلمين إلى دفة الحكم قد حسم على ما يبدو مسألة السلطة السياسية و التنفيذية في مصر، ولكن تلك هي ظاهر الأوضاع فقط، فعملياً سلطة الإخوان و قدرتهم على أتخاذ القرارات و تنفيذها و مناوراتهم السياسية تحدها توافقاتهم الأساسية مع المؤسسة العسكرية. الجيش في مصر مستحوذ على 25% إلى 40% من الأقتصاد المصري، للمؤسسة أرتباطات خارجية عسكرية و أمنية مباشرة مع أمريكا و الغرب، ويتمتع بمكانة بين قطاع واسع من الناس سواء بسبب قدرته الأقتصادية أو على خلفية الأوهام الناسيونالستية (القومية و الوطنية) المهيمنة في مصر. إن تسليم المؤسسة العسكرية للسلطة إلى الاخوان و القبول بالتغييرات الداخلية، كانت و ما تزال مشروطة بالإبقاء على الأمتيازات الأقتصادية للجيش و مكانته في تركيبة السلطة في مصر.
و علاوة على كل تلك التحديات و فوقها تقف حقيقة إن الثورة ضد مبارك و الأنتصار الدراماتيكي و السريع الذي حققته في تغيير رأس النظام، هو مكسب تأريخي و بريق أعاد الضياء و الحياة إلى الموروث المليء بالأمجاد للحركة العمالية والأشتراكية في مصر. فحسب الأرقام والإحصائيات بلغت عدد الأحتجاجات العمالية في الستة أشهر الأولى من عام 2011، 956 أحتجاجاً مكونة من 338 أعتصام، 158 إضراب، 259 مظاهرة، 161 وقفة أحتجاجية و 40 تجمهر. و في مجال التنظيم الجماهيري العمالي حدثت قفزة هائلة بعد الثورة، فقد أعلن وزير القوى العاملة المصرية بأنه و حتى نهاية شهر آذار من عام 2011 تم تقديم أوراق 798 لجنة نقابية، 40 نقابة عامة و 15 اتحاد عمالي عام في مصر.
تم خلال الثمانية عشر شهراً المنصرمة العديد من الأحتجاجات العمالية الكبيرة منها على سبيل المثال لا الحصر إضراب عمال النقل العام في العاصمة القاهرة، إضراب عمال سكك الحديد، إضراب عمال المؤانيء في السويس، و إضراب 25الف عامل في معامل غزل المحلة و الذي جرى بعد وصول مرسي إلى الحكم و قد هدد العمال بتحويلها إلى إنتفاضة مثلما جرى في 2008.
يبدو إن مجيء الأخوان إلى الحكم و تواطؤهم مع المجلس العسكري و فلول نظام مبارك في خطة لا تتوافر البرجوازية في الأوضاع الحالية على أفضل منها لم تستطع أن تنهي الأوضاع الثورية وتعيد الإستقرار إلى سلطة البرجوازية، ليس هذا فحسب بل إنه من الصعب تصور إنهم يستطيعون كبح جماح الحركة العمالية التي تتصاعد وتيرة نهوضها يوماً بعد آخر. مظاهرة 29 من آب و التي رفرفت الأعلام الحمراء للأشتراكيين و الشيوعيين في مقدمة الحشود المحتجة ضد سيطرة الأخوان و الهاتفة بالمطالب العاجلة للجماهير، تنبئنا بأن ربيع مصر أطول مما تخيله الرأسماليين في ذلك البلد. كما يقول كمال خليل فإن النضال لأجل "عيش، حرية عدالة أجتماعية، كرامة انسانية" ما زال مستمراً. من البديهي بأن مستقبل هذه الحركة و النضال مرتبط بمدى قدرة الشيوعيين و عمال مصر بالالتفاف حول ستراتيجية ثورية وأشتراكية لأجل كنس كل اركان النظام الرأسمالي، ولكن مهما تكن فإن أوضاع مصر و بناءاً عليه أوضاع كل المنطقة ما زالت حبلى بتغييرات و تحولات كبيرة، و إن كتاب الثورة ما زال مفتوحا لفصول جديدة من تاريخ لم يكتب بعد.
العنوان : ثوره فى مصر ولكن فى الحقيقه ليست ثوره
الوصف : ثوره فى مصر ولكن فى الحقيقه ليست ثوره العنوان أعلاه مستعار من حديث لكمال خليل، الذي يُعَرٌفْ من قبل الإعلام المصري بالناشط اليساري و أحيانا...
تقييم الموضوع : 4.5
الكاتب : غير معرف

0 التعليقات:

إرسال تعليق

اضف ايميلك ليصلك جديدة المدونة:



Delivered by FeedBurner
اخبار بعدين